
تنتقل المنافسة بين عمالقة الذكاء الاصطناعي إلى ساحة جديدة هي متصفحات الإنترنت، التي تتحول تدريجياً إلى الواجهة الأساسية للتفاعل بين الإنسان والآلة.
فبعد أن غيّرت روبوتات المحادثة مثل «شات جي بي تي» و«كوبايلوت» و«جيميناي» طريقة بحث المستخدمين عن المعلومات، تتسابق الشركات اليوم إلى دمج الذكاء الاصطناعي مباشرة داخل المتصفح، لتوفير تجربة موحّدة تجمع بين التصفح والمساعدة الذكية في آنٍ واحد.
وفي هذا الإطار، كشفت شركة «أوبن إيه آي» عن متصفحها الجديد «أطلس» (Atlas)، في خطوة تهدف إلى كسر هيمنة «غوغل كروم» الذي يهيمن على أكثر من 70% من السوق العالمية.
متصفح جديد لعصر المساعدات الذكية
يقول دانيال نيومان، رئيس مجموعة «فيتشوروم»، إن «المعركة الأساسية في سباق الذكاء الاصطناعي تدور اليوم حول المتصفح والهاتف الذكي، لأنهما أكثر المنصات استخداماً في حياتنا الرقمية».
ويجمع «أطلس» بين التصفح التقليدي وروبوت المحادثة في واجهة واحدة، تُقسم الشاشة إلى نصفين: أحدهما لعرض الصفحات، والآخر للمحادثة الذكية التي ترافق المستخدم وتنفذ طلباته. ويشرح آفي غرينغارت من شركة «تكسبوننشل» أن «هذه الخطوة طبيعية، فالمستخدم اليوم يريد من المساعد الذكي أن يقوم بالمهام عنه عبر الإنترنت».
وتتوسع قدرات هذه المتصفحات لتشمل تنفيذ أوامر مثل حجز المطاعم وطلب الوجبات والبحث والتسوق تلقائياً، ما يمثّل انتقالاً من مرحلة الإجابة إلى مرحلة الفعل.
منافسة تشتدّ وتعيد رسم المشهد
إلى جانب «أطلس»، يبرز متصفح «كوميت» (Comet) من شركة «بربليكسيتي»، ومتصفح «مايكروسوفت إيدج» المزوّد بـ«كوبايلوت»، إلى جانب مشاريع أخرى مثل DIA وNeon، في سباق لتقديم تجربة تصفح مدعومة بالكامل بالذكاء الاصطناعي التوليدي.
ويرى المستثمر إيفان شلوسمان من شركة «سورو كابيتال» أن هذا الاتجاه «منطقي»، لأن المستخدمين باتوا يعتمدون على المتصفح كمركز لجميع أنشطتهم الرقمية، دون الحاجة إلى تحميل تطبيقات منفصلة.
لكن الخبراء يشيرون إلى أن هذه الابتكارات لا تزال قائمة على بنية التصفح التقليدي، مع إضافة طبقة من الفهم والسياق والمساعدة التفاعلية التي تغيّر طريقة الاستخدام جذرياً.
«غوغل» بين الدفاع والترقّب
ورغم تصاعد المنافسة، لا يزال «غوغل كروم» يحتفظ بموقعه المهيمن، إذ لم تُدخل الشركة بعد أدوات ذكاء اصطناعي متقدمة مباشرة في المتصفح، بل اقتصرت على تحسينات في محرك البحث عبر ميزات مثل AI Overviews وAI Mode.
ويقول نيومان إن «غوغل قد تفقد جزءاً من حصتها السوقية، لكنها ستبقى قوية بفضل اعتياد المستخدمين على كروم»، فيما يرى توماس ثيل من شركة «آرثر دي ليتل» أن «أوبن إيه آي تمتلك تفوّقاً واضحاً بفضل بيانات محادثات «شات جي بي تي»، التي تمنحها فهماً عميقاً لتفضيلات المستخدمين وسلوكهم».
المتصفح اليوم… والمساعد غداً
يتوقع الخبراء أن تكون هذه المرحلة تمهيداً لحقبة جديدة من التفاعل الذكي عبر أجهزة محمولة وواجهات صوتية أكثر تطوراً. لكن حتى يتحقق ذلك، تبقى المعركة حول المتصفح محوراً رئيسياً في سباق السيطرة على تجربة المستخدم في عالم الذكاء الاصطناعي.
وكما يختصر نيومان المشهد: «الشركات التي تتمكّن من ترسيخ حضورها في تجربة التصفح اليوم، هي التي ستملك مستقبل الذكاء الاصطناعي غداً».


